تقرير: محمد الصادق
في صيدلية صغيرة تتحول إلى ساحة معركة بين المبدأ والموت، جثمت حوراء عبد المحسن أمام خيار لا يحتمل التأويل: إما أن تنحني لإرهاب العصابات، أو ترفض وتدفع الثمن. كان الاختيار جلياً في عينيها الواسعتين اللتين لم تعرفا سوى طريق الشرف المهني.
لم تكن طلقة المسدس التي اخترقت جسدها النحيل سوى الفصل الأخير من مأساة تتكرر بوجوه مختلفة. الصيدلانية الشابة التي تخرجت بحلم تخفيف آلام الناس، وجدت نفسها فجأة في مواجهة آلة إجرام لا تعرف سوى لغة الدم. رفضها صرف دواء مخدر لمجموعة مسلحة كان شهادة ميلاد جديدة لمعنى البطولة في زمن انحدار القيم.
المشهد كان مأساوياً بكل تفاصيله. الأرفف المليئة بالأدوية التي تروي حكايات الشفاء، تحولت فجأة إلى شاهد صامت على جريمة قتل بشعة. الزجاج المحطم، والدماء على الأرض، والوجوه المرتعبة للمارة، كلها تفاصيل تكشف حجم المخاطر التي تواجهها الكوادر الطبية في صمت.
حوراء لم تكن مجرد رقم في إحصائية ضحايا العنف. كانت عنواناً لصراع أكبر بين نور العلم وظلام الجريمة. في عقلها المتوهج بالمعرفة، كانت تعلم أن صرف ذلك الدواء يعني المشاركة في تدمير أسر بكاملها. وفي قلبها الكبير، لم يكن هناك مكان للتردد.
اليوم، بينما تتداعى المؤسسات لتقديم التعازي، وتتصدر صورتها عناوين الصحف، تبقى الحقيقة الأكثر مرارة: أن المجتمع يفقد كل يوم حماة الصحة واحداً تلو الآخر. بعضهم يهاجر، وبعضهم يستسلم للتهديدات، وقلة مثل حوراء تختار أن تدفع الثمن غالياً.
قصة حوراء تفتح جرحاً غائراً في جسد المهنة الطبية. إنها تكشف كيف أصبحت الصيدليات خطوط تماس أمامية في حرب ضد الإدمان والجريمة المنظمة. كيف يمكن لزي أبيض بسيط أن يتحول إلى درع واقٍ للمجتمع في مواجهة أعتى العصابات.
في النهاية، تبقى حوراء عبد المحسن أكثر من شهيدة مهنة. إنها رمز للاستقامة في زمن الانحدار، وشعلة تضيء الطريق للأجيال القادمة من الكوادر الطبية. دماؤها التي سالت على أرض الصيدلية ستبقى وصمة عار على جبين كل من يقف متفرجاً على معاناة حماة الصحة.