يعاني العراق منذ سنوات من أزمة كهرباء خانقة تتفاقم خلال أشهر الصيف، وترتبط بشكل وثيق باعتماده الكبير على الغاز الإيراني لتشغيل محطات توليد الطاقة. هذا الاعتماد يشكّل أكثر من أربعين بالمئة من احتياجات العراق الكهربائية، وقد يصل في ذروة الصيف إلى نحو خمسين مليون متر مكعب يومياً. ورغم محاولات الحكومة العراقية تسديد مستحقاتها لإيران، إلا أن العقوبات الأميركية المعقّدة على طهران تحول دون إيصال المدفوعات بسهولة، مما يؤدي إلى تكرار انقطاع الإمدادات وتقليص القدرة التوليدية في البلاد.
انخفض الإنتاج الكهربائي بنسبة كبيرة هذا الصيف مع انقطاع الغاز الإيراني، الأمر الذي أدى إلى انقطاعات يومية تصل إلى أكثر من 14 ساعة في بعض المناطق، مما أثار استياءً شعبياً وذكر العراقيين بأحداث احتجاجية سابقة بسبب نقص الخدمات.
الولايات المتحدة أوقفت مؤخراً الإعفاء الذي يسمح للعراق باستيراد الكهرباء مباشرة من إيران، فيما أبقت على استثناء استيراد الغاز. ومع غياب البدائل السريعة، يتزايد الضغط على بغداد لإيجاد حلول مستدامة خارج دائرة الاعتماد الإيراني. تشمل هذه الحلول استيراد الغاز المسال من دول الخليج كقطر وعمان، فضلاً عن خطط لاستئجار وحدات عائمة للتخزين والتغويز في ميناء الزبير. إلا أن هذه الحلول تحتاج إلى وقت واستثمارات كبيرة في البنية التحتية.
أزمة الكهرباء في العراق لا تعكس فقط خللاً تقنياً، بل تكشف عن عمق التداخل السياسي والاقتصادي بين بغداد وطهران، وفشل الحكومات المتعاقبة في استثمار الغاز المصاحب المحلّي الذي يُحرَق بدلاً من الاستفادة منه. كما أن نظام التسعير المدعوم للكهرباء يفاقم من حجم الطلب ويضغط على الميزانية الحكومية. وبين تحديات التمويل، وضغوط العقوبات، وسوء التخطيط، يظل المواطن العراقي الضحية الأبرز لأزمة طاقة لا يبدو أن لها حلاً قريباً.