في وقت يُفترض أن يهدف قانون "حرية الرأي والتعبير والاجتماع والتظاهر السلمي" إلى تعزيز الديمقراطية وضمان الحقوق التي كفلها الدستور العراقي في مواده (37، 38)، جاءت المسودة الحالية لتثير جدلاً واسعاً، وسط اتهامات بأنها تتضمن نصوصاً فضفاضة قابلة للتأويل تُستخدم لتقييد الحريات لا لحمايتها.
المواد الواردة في المسودة، مثل ربط التعبير عن الرأي بـ"عدم الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة"، تفتح الباب أمام تفسيرات واسعة تمنح السلطات صلاحيات فضفاضة لقمع أي خطاب أو نشاط لا يروق لها، وهو ما يتعارض بشكل مباشر مع مبدأ حرية التعبير المكفول دستورياً دون قيد أو شرط إلا في أضيق الحدود التي يحددها القانون بدقة.
كما أن البنود التي تمنع "رفع اللافتات أو التصريحات المخالفة" وتفرض قيوداً على أماكن وأوقات الاجتماعات والتظاهرات، تمنح الأجهزة الأمنية سلطة واسعة في رفض أو تغيير مكان وزمان أي تجمع، بما يحوّل الحق الدستوري في التظاهر إلى استثناء مشروط بموافقة السلطة.
إضافة إلى ذلك، فإن تحديد مواعيد وإجراءات الإشعار قبل أي فعالية عامة، وربطها بموافقات إدارية، يشكل قيداً غير مبرر على الحريات، ويجعل ممارسة الحق الدستوري مرهونة بإرادة بيروقراطية قد تستغلها السلطة التنفيذية لإجهاض أي تحرك شعبي.
بالمحصلة، فإن المسودة بصيغتها الحالية تمثل انحرافاً خطيراً عن روح الدستور العراقي، وتحويل قانون "حرية التعبير" من أداة لحماية الحقوق إلى وسيلة شرعنة القيود، ما يهدد بتكريس ثقافة تكميم الأفواه بدل تعزيز فضاء الحرية.