كتب: المحرر السياسي
في زحام الحرب النفسية وخطاب الردع الاستراتيجي، لا شيء يترك أثره كـ”ردة الفعل”… وهذا ما فعله “فتّاح”، الصاروخ الإيراني الفرط صوتي، حين غادر منصة الإطلاق ليدخل التاريخ من بوابة الذعر الإسرائيلي. لم يكن مجرّد صاروخ؛ بل كان رسالة مكتوبة بالنار، موقّعة بيد الحرس، ومذيّلة بعبارة: لا أمن لكم بعد اليوم.
“فتّاح”… اسم على مسمّى، يفتح أبواب معادلات الردع الجديدة، ويغلق عهد التفرّد الصهيوني بالسماء.
صاروخ “فتّاح” ليس استعراضا في معرض عسكري أو رقما في سجلات التصنيع، بل فعلٌ قلبَ المعادلة وأعاد تعريف الزمن العسكري. في ست دقائق فقط، يستطيع أن يصل إلى قلب “تل أبيب”، متجاوزا أعقد الدفاعات، غير آبه بالباتريوت، ولا مرتعشا أمام القبة الحديدية.
فمن هو هذا الفاتح الحديدي، الذي صار سلاح الشعراء قبل أن يصبح سلاح الجنرالات؟
إنه تحفة هندسية على مرحلتين: محرك صاروخي ضخم يطلقه بسرعات تفوق 5 ماخ، يتخلى عنه على بعد مئات الكيلومترات، ليبدأ الرأس الحربي الذي يبلغ طوله 3.6 متر مهمته الفعلية؛ المناورة، التمويه، المراوغة، والهجوم من حيث لا تتوقع الرادارات.
هو أشبه بشبح حديدي، يُطلق ثم يُفلت من التوقّع، ويختار هدفه كما يختار الشعراء قوافيهم: بعناية، وبطش.
وما دمنا نتحدث عن الشعر، فلن نجد أنسب من “فتّاح” ليكون قافية المجد في معجم المقاومة. ليس لأنه فقط اختراق تقني، بل لأنه ابن بيئته، وُلد من رحم الحاجة، وربّي في معامل الحرس لا ليُستعرض، بل ليُستخدم. يحمل في جوفه من فلسفة الردع بقدر ما يحمل من المواد المتفجّرة. لذلك، هو أكثر من صاروخ، إنه حل استراتيجي.
حين يصل “فتّاح” إلى نادي الأربعة الكبار عالميا، إلى جانب روسيا وأميركا والصين، فإنها ليست مجرد خطوة تكنولوجية، بل اختراق في هندسة التوازنات. فتل أبيب، التي كانت تتحدث عن مفاجآت، باتت هي المفاجأة نفسها، ترتجف على الهواء، وترتبك خلف الكواليس.
وإن سخر البعض من قدرات “فتّاح”، فإن الرعب الذي بثّه في عقل “العدو” أهم من كل التجارب المختبرية. فهذا الصاروخ لا يقيس نجاحه بعدد الضربات، بل بمقدار التردّد الذي يُدخله في قرارات الحرب عند الطرف الآخر.
فتّاح صاروخ المستقبل بصناعة الحاضر. لا يحتاج إلى ضوضاء كي يُحدث تأثيره، بل يكفي أن يُذكر اسمه حتى ترتبك خطط الطوارئ في غرف القيادة الصهيونية.
وإن كانت بعض الأنظمة الدفاعية قد اعترضت صواريخ فرط صوتية في أوكرانيا، فإن “فتّاح” لا يشبه غيره. فهو ابن تجربة مختلفة، صنع في جغرافيا محاصرة وتحت ضغط التهديدات اليومية. هذه ليست رفاهية تصنيع، بل ضرورة وجود.