كتب : المحرر السياسي
تُعد أزمة الكهرباء في العراق من أكثر الأزمات الخدمية إلحاحاً وتعقيداً، وهي تمثل صورة واضحة لفشل الحكومات المتعاقبة في إدارة ملف حيوي يمس حياة المواطنين بشكل مباشر. فمنذ عام 2003 وحتى اليوم، لم يشهد قطاع الطاقة الكهربائية تطوراً يتناسب مع حجم الأموال التي صُرفت عليه، ولا مع الوعود السياسية التي كررتها كل الحكومات المتتالية، الأمر الذي جعل هذا الملف يتحول إلى عنوان دائم للمعاناة الشعبية والغضب العام.
تعاني شبكة الكهرباء الوطنية من عجز كبير في الإنتاج مقارنة بالاستهلاك، خاصة في أشهر الصيف اللاهبة التي تشهد ارتفاعاً شديداً في درجات الحرارة تتجاوز الخمسين مئوية في بعض المحافظات. وفي ظل هذا الواقع، يعيش المواطن العراقي تحت ضغط يومي بسبب ساعات القطع الطويلة مقابل تجهيز محدود لا يتجاوز في كثير من الأحيان ثمان إلى عشر ساعات فقط، ما يدفع الأهالي إلى الاعتماد شبه الكامل على المولدات الأهلية، والتي بدورها أصبحت تمثل عبئاً اقتصادياً كبيراً على العائلات العراقية
لم يكن السبب في استمرار الأزمة غياب الإمكانيات أو التمويل، بل يرتبط إلى حد كبير بسوء الإدارة والفساد وغياب الرؤية الاستراتيجية طويلة الأمد. حيث أُبرمت عشرات العقود مع شركات محلية وأجنبية لبناء محطات كهرباء أو صيانتها، إلا أن الكثير من هذه العقود إما فُسخت أو تعثرت أو أُحيطت بشبهات فساد، ما أدى إلى ضياع مليارات الدولارات دون نتائج ملموسة. وحتى المحطات التي تم إنجازها، فإن جزءاً منها لا يعمل بطاقته الكاملة بسبب نقص الوقود أو أعطال مستمرة
من جانب آخر، يواجه قطاع الكهرباء تحديات إضافية تتعلق بالربط الإقليمي واعتماد العراق على استيراد الطاقة من دول الجوار مثل إيران وتركيا، ما يجعل جزءاً من ملف الكهرباء مرهوناً بالعلاقات السياسية والاقتصادية، الأمر الذي يعرض البلاد لأزمات متكررة في حال حدوث توتر أو خلاف سياسي مع هذه الدول
وفي الوقت الذي تعلن فيه الحكومة عن خطط جديدة لإدخال الطاقة الشمسية والتعاقد مع شركات عالمية لتحسين الإنتاج، لا يزال الشارع العراقي متشككاً بجدية هذه الوعود، بسبب التجارب السابقة التي لم تثمر سوى عن مزيد من الإنفاق دون نتائج حقيقية. ومع دخول كل صيف جديد، تتجدد مشاهد الاحتجاجات وقطع الطرقات من قبل مواطنين غاضبين يطالبون بحقهم الأساسي في الكهرباء، فيما تستمر الأزمة دون حلول واضحة في الأفق
تبقى أزمة الكهرباء في العراق مثالاً صارخاً على العجز المؤسسي والتخبط الإداري، حيث تُدار الملفات الكبرى بعقلية ترقيعية مؤقتة، في حين تغيب المعالجات الجذرية، لتستمر المعاناة ويستمر النزيف المالي والزمني دون تغيير حقيقي في واقع الخدمة الكهربائية.