تشهد المنطقة في الآونة الأخيرة تصاعداً غير مسبوق في التوتر بين إيران وإسرائيل، وسط تبادل للتهديدات وارتفاع وتيرة المواجهة غير المباشرة في عدة ساحات. هذا التصعيد جعل احتمالية اندلاع مواجهة عسكرية مفتوحة بين الجانبين محل نقاش واسع في الأوساط السياسية والإعلامية. فإسرائيل ترى أن استمرار إيران في تطوير برنامجها النووي وتوسيع نفوذها الإقليمي يمثل خطراً وجودياً عليها، فيما تعتبر طهران أن التهديدات الإسرائيلية جزء من سياسة مدعومة أمريكياً للضغط عليها وإضعاف قدراتها الدفاعية.
الأحداث الميدانية الأخيرة في غزة ولبنان وسوريا تعكس حجم التداخل في الصراع، إذ لا تكاد تمر فترة قصيرة من دون استهداف متبادل أو ضربات تحمل بصمات الطرفين. إسرائيل تواصل استهداف مواقع مرتبطة بإيران في سوريا وتعمل على إضعاف حلفائها في المنطقة، فيما ترد طهران عبر دعم قوى المقاومة وتوسيع دائرة الضغط على تل أبيب في أكثر من جبهة. هذه الأوضاع تضع المنطقة على حافة مواجهة قد تنفجر في أي لحظة إذا ما تجاوز التصعيد الخطوط الحمراء.
المعادلة الحالية تقوم على سياسة الردع المتبادل، حيث يدرك الطرفان أن الدخول في حرب شاملة سيكون مكلفاً للغاية على الصعيدين العسكري والاقتصادي، كما أن نتائجه السياسية قد تفتح الباب أمام تغييرات كبيرة في موازين القوى الإقليمية. لذلك يكتفي كل طرف حتى الآن بإرسال رسائل القوة واستخدام المواجهات المحدودة لتثبيت قواعد الاشتباك. إلا أن خطورة الموقف تكمن في احتمال وقوع خطأ في الحسابات أو رد فعل مبالغ فيه قد يفتح الباب أمام مواجهة واسعة لا يمكن السيطرة على مسارها.
العوامل الإقليمية والدولية تلعب بدورها دوراً محورياً في ضبط الإيقاع، فالولايات المتحدة وأوروبا تخشى من انزلاق الأوضاع نحو حرب تعصف بالمنطقة وتؤثر على أمن الطاقة وحركة التجارة الدولية، فيما تحاول أطراف إقليمية أخرى كتركيا ودول الخليج تجنب الدخول في تداعيات مباشرة قد تهدد استقرارها الداخلي. ومع ذلك تبقى احتمالية اندلاع الحرب قائمة، خصوصاً إذا لم يتم التوصل إلى تفاهمات دبلوماسية بشأن الملف النووي الإيراني أو إذا استمرت إسرائيل في توسيع عملياتها العسكرية خارج حدودها.
في المحصلة، يمكن القول إن المنطقة تقف أمام مشهد معقد، إذ تبدو الحرب بين إيران وإسرائيل غير مرغوبة من الطرفين لكنها في الوقت نفسه ليست مستبعدة، فهي احتمال يزداد كلما ارتفعت وتيرة التوتر وتقلصت فرص الحوار، الأمر الذي يجعل الشرق الأوسط أمام مستقبل مفتوح على احتمالات خطيرة قد تغير معالمه لسنوات قادمة.