تشهد الساحة العراقية تصاعداً في الجدل حول ملف الرواتب في ظل الأزمة المالية التي تمر بها البلاد منذ أعوام والتي تفاقمت بفعل تراجع أسعار النفط والاعتماد شبه الكلي على الإيرادات النفطية لتمويل الموازنة التشغيلية. ويُعد ملف الرواتب أحد أكثر الملفات حساسيةً لما يمثله من ارتباط مباشر بمعيشة شريحة واسعة من المواطنين، خصوصاً موظفي الدولة والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية.
الحكومة العراقية تجد نفسها أمام تحدٍ مزدوج: من جهة ضغوط الشارع المتزايدة لضمان صرف الرواتب بشكل منتظم وكامل، ومن جهة أخرى صعوبة تأمين السيولة النقدية الكافية نتيجة استمرار العجز المالي وضعف مصادر التمويل غير النفطية. هذا الوضع دفع الحكومة إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات التقشفية وتقييد التعيينات الجديدة وإيقاف بعض النفقات التشغيلية، إلا أن هذه التدابير لم تنجح حتى الآن في معالجة جذور الأزمة.
في المقابل، يحمّل مختصون في الشأن الاقتصادي الطبقة السياسية مسؤولية تدهور الوضع المالي بسبب السياسات الريعية والفساد المالي والإداري المتراكم وسوء إدارة الموارد. ويشيرون إلى غياب إستراتيجية حقيقية للإصلاح الاقتصادي وبناء مصادر دخل بديلة كالزراعة والصناعة والسياحة، فضلاً عن ضعف الجباية الداخلية وتهريب العملة وانفلات المنافذ الحدودية.
الأزمة انعكست أيضاً على الخطط الحكومية الرامية لتثبيت العقود وتحويل المحاضرين المجانيين إلى ملاك دائم، إذ بات ملف تثبيت العقود معلقاً بسبب عدم توافر الغطاء المالي الكافي، وهو ما فاقم من حالة الغضب الشعبي، خصوصاً في المحافظات ذات معدلات الفقر والبطالة المرتفعة.
في ظل هذا المشهد، تطالب جهات سياسية واقتصادية الحكومة بوضع خطة شاملة تتضمن تقليص النفقات غير الضرورية، وتعظيم الإيرادات غير النفطية، وإصلاح النظام الضريبي، ومكافحة الفساد بشكل فعلي، فضلاً عن اتخاذ إجراءات تضمن عدالة توزيع الرواتب وتقليل الفوارق بين الدرجات الوظيفية العليا والدنيا. كما يرى مراقبون أن إصلاح ملف الرواتب لا يمكن عزله عن إصلاح المنظومة الاقتصادية برمتها، وأن استمرار التعويل على النفط وحده سيبقي العراق رهينة تقلبات السوق العالمية ويفاقم الأزمات المالية والاجتماعية في المستقبل.