أزمة الكهرباء في العراق تحولت إلى مرآة تعكس فشل الحكومة بكل وضوح، فبينما يعيش المواطن في ظلامٍ دائم وحرارةٍ خانقة، تستمر السلطة في إطلاق وعود كاذبة وخطط خالية من التنفيذ، أكثر من عشرين عاماً على سقوط النظام السابق، ولا تزال الدولة عاجزة عن تأمين خدمة كهربائية مستقرة، رغم صرف عشرات المليارات من الدولارات على هذا القطاع، وكل ما حصدته الناس هو مزيد من الانقطاعات والمعاناة
الحكومة لم تفشل فقط في إدارة الملف، بل ساهمت في تعقيده عبر شبكة من الفساد وسوء التخطيط، الأموال تُهدر على عقود وهمية، والمشاريع تتوقف قبل أن تبدأ، ولا أحد يُحاسب، لا وزير يُقال، ولا مسؤول يُحاكم، بل تُكرَّم الفاشلين بالمناصب، ويُمنح الفاسدون المزيد من الفرص للنهب تحت غطاء المشاريع الخدمية
المواطن العراقي يدفع الثمن من راحته وصحته، أطفال ينامون تحت رحمة الحرّ، مرضى يختنقون في المستشفيات، ومدارس تغلق أبوابها بسبب انقطاع التيار، في الوقت الذي تنعم فيه قصور السياسيين بالكهرباء المضمونة والمولدات الحكومية التي لا تنطفئ
الجنوب الذي يغذي موازنة العراق بالنفط يُجازى بالإهمال، وأهله يعيشون كأنهم في منفى حراري لا يصل إليه التيار ولا تصل إليه الدولة، لا أحد يسمع صراخ البصرة ولا يرى وجع الناصرية ولا يشعر بغضب ميسان، كلها تعاني بلا حلول، بلا تعويض، بلا أمل
السلطة تتعامل مع أزمة الكهرباء وكأنها قدر لا يُمكن تغييره، بينما هي في الحقيقة نتيجة طبيعية لحكومة فاشلة، عاجزة، لا تملك رؤية ولا إرادة ولا ضمير، وحتى عندما ينتفض الناس ويطالبون بحقهم، يُقمعون أو يُهملون، ويُعاد تدوير نفس الوجوه التي كانت سبب الأزمة منذ بدايتها
ما يحدث في ملف الكهرباء هو خيانة صريحة لثقة الشعب، وجريمة مستمرة ضد أبسط حقوق الإنسان، والحكومة إن لم تكن قادرة على إصلاح هذا الملف فعليها أن ترحل، فالعراق يستحق أفضل من هذا العجز، وأشرف من هذا الصمت