مقال - علي جميل محمد
أدى تطور التقنيات الرقمية السريع إلى ظهور ظاهرة "الاقتصاد الرقمي"، وهو اقتصاد يعتمد على التقنيات الرقمية والمعلومات والاتصالات، مع تأثير التحول الرقمي على جميع مجالات الإنتاج وكذلك الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والخدمات اللوجستية، وخدمات التسويق والإدارة العامة.
يوفر الاقتصاد الرقمي التفاعل بين منظمات الأعمال في العديد من المجالات، مثل إنشاء واستخدام التقنيات والمنتجات الجديدة، وخدمات الاتصالات، والأسواق الإلكترونية والخدمات عن بعد.
وفي تطور لافت بلغت حجم استثمارات التكنولوجيا المالية العالمية 294.74 مليار دولار بنهاية عام 2023 على مستوى العالم مما يؤكد على أن الاقتصاد الرقمي يشكل عصباً مهماً لإستقرار وإستدامة الاقتصاد العالمي.
وفي السياق العربي بفضل افتراضية التمويل الحديث، تواصل شركات التكنولوجيا المالية تطوير أنشطتها، وتساعد حاضنات التمويل على تسريع رقمنة الأعمال المالية المختلفة وتنشيط الابتكار والابتكار في التمويل الحديث، وبالتالي تسريع تطوير الصناعة المالية.
أن امتلاك الهاتف المحمول يمكن من القيام بالعمليات المالية المختلفة والتحويلات المالية الصغيرة والمعاملات عبر الإنترنت؛ تطبيقات المحاسبة الإلكترونية في قطاع الأعمال الصغيرة؛ تغطية أي مسافة. تُستخدم تقنية Blockchain أيضًا في عمليات النقل والمدفوعات وأمن الشبكات وضمان سيولة عالية للأصول.
ما هي الاستراتيجيات اللازمة والفرص الحقيقية لإستدامة اقتصادٍ رقمي متطور ومزدهرٍ يبني العراق؟
*أهمية الاقتصاد الرقمي للعراق*
تعاني المؤسسات في العراق من ضعف كبير في إدراك أهمية الاقتصاد الرقمي على الصعيد الوطني، يطغى المشهدين الاجتماعي والسياسي المتناميين على حساب المشهد الاقتصادي بالرغم من ارتفاع في عدد مستخدمي الهواتف النقالة بشكل كبير اذ بلغت نسبة المستخدمين اكثر 96% من اجمالي السكان، يقابلها 33 مليونا و720 ألف مستخدم للإنترنيت ، بدأ العراق متأخراً بتوفير بنى تحتية من قوانين تشريعية ومبادرات لتعزيز الشمول والتنمية المالية وبرامج خاصة لتعزيز تكنولوجيا المالية، لذا، على الجميع المساهمة في نشر أهمية الخدمات المالية لكل شرائح المجتمع وهو افضل سبيل للتنمية الاقتصادية والإستدامة والنمو ورفع المستوى المعيشي للمواطنين والحد من الفقر .
الإستراتيجيات المحفزة للنمو الاقتصادي
يتجه العراق نظرياً، بخطى ثابته نحو الثورة الصناعية الرابعة، إذ ما نظرنا بعيون المؤسسات الحكومية، إذ أن العمل الفعلي لإدخال تقنيات رقمية مبتكرة في الجانب الاقتصادي يشمل تبني تلك التقنيات وإدماجها في نماذج الأعمال التجارية، مما سوف يعيد تشكيل سوق العمل وبالتالي مشهد اقتصادي جديد يقدم كافة الحلول لتحديات التحول الرقمي والنمو الاقتصادي.
تشكل مبادرة التحول الرقمي في العراق ضرورة حتمية لتحفيز الاقتصاد من منطلقات استراتيجيات تهدف الى تحسين البنية التحتية الرقمية التي ترفع من قدرات العمل الرقمي و تعزيز الحكومة الإلكترونية التي تشجع على عاملي الابتكار والريادة في كل مؤسساتها وخدماتها، اما على الصعيد الاقتصادي الرقمي هذه الاستراتيجيات المحفزة سوف تشجع أعمال القطاع التكنولوجي الذي يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي وباقي التقنيات الحديثة في تحفيز النمو الاقتصادي الرقمي.
*إستراتيجيات بناء الاقتصاد الرقمي*
في عام 2018 تم الإعلان عن إطلاق "الــرؤيـة الاستـراتيجية العربيــة المشتركــة للاقتصـاد الرقمــي" حيث قامت جامعة الدول العربية بالتعاون مع مجلس الوحدة الاقتصادية العربية ببناء هذه الرؤية لقيادة الدول نحو تنمية إقتصادية مستدامة في العصر الرقمي ليعم المنطقة. وإن من اهم أهدف هذه الرؤية هي بناء الاقتصاد الرقمي وتحفيزه ليضمن الأمن والاستقرار للعالم العربي.
ومن المهم تسليط الضوء على هذه الرؤية الاستراتيجية العربية المشتركة اذ أن العراق عضو فعال في جامعة الدول العربية ومتبني لمبادرات التحول الرقمي حيث تركز الاستراتيجية الى تعزيز البنية التحتية الرقمية اللازمة لتسريع تنفيذ استراتيجية التحول الرقمي.
يحتاج العراق الى أسس تقنية قانونية قوية مما يتطلب تحديثات لقوانين قديمة لتواكب العالم الرقمي، وفي هذا السياق أكد معالي وزير العدل د.خالد شواني، "ان وزارة العدل قامت بأعداد مشروع تعديل قانوني التسجيل العقاري والوساطة العقارية وتضمنت التعديلات مبادئ واليات عمل تواكب التقدم الحاصل في مجال تكنولوجيا المعلومات والامن السيبراني وتدعم الاقتصاد الرقمي". وأشار معالي الوزير، "ان القوانين الحالية ستؤدي في نهاية المطاف الى تعارض خطوات تنفيذ الرقمنة مع التشريعات النافذة ولعل عدم اعتماد التوقيع الالكتروني الى الان مثال حي على هذه الاشكالية التي تعاني منها مؤسسات الدولة".
هذا مثال بسيط للحواجز التي تعوق تقدمنا نحو الازدهار، حيث تتطلب مرحلة بناء الاقتصاد الرقمي تطوير نظام ايكولوجي يعزز الفرص الإبداعية ويسرع عمليات التحول الرقمي العراقي.
تشجع حزم الإصلاحات الاقتصادية الحكومية تبني بيئات رقمية لتعزيز النمو الاقتصادي، بحسب المرصد الاقتصادي العراقي هناك خمس ركائز لتأطير عملية رقمنة الاقتصاد تتمثل بضمان الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة بتكلفة معقولة، وتحقيق اعتماد واسع النطاق للمدفوعات غير النقدية، وتقديم الخدمات الحكومية الرقمية وتحسين الوصول إلى البيانات، ورفع مستوى مهارات الشباب من خلال تزويدهم بالخبرة التكنولوجية، وتوسيع نطاق النظام البيئي الرقمي لريادة الأعمال.
*الإستدامة في فرص الاقتصاد الرقمي*
بدأ العراق، بإعادة صياغة توجهاته نحو تنويع موارد الدولة المالية على مدى الثلاث أعوام السابقة، حيث ان هذه الخطوة وان كانت متأخرة سوف تعود على الاقتصاد العراقي بالنمو، وبحسب تصريحات مستشار الحكومة للشؤون المالية الدكتور مظهر محمد صالح ان هذه العملية تتطلب وقتاً وجهداً حكوميين وشعبيين لتقليل الريعية النفطية في العراق، الذي يعتمد بنسبة تصل إلى 96% على الإيرادات المالية المتحققة من بيع النفط الخام.
يُعَدّ تحقيق الإستدامة في التنمية الاقتصادية من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات في هذا العصر والدول الريعية النفطية مثل العراق. حيث يحضى موضوع تحقيق الإزدهار الاقتصادي بالاهتمام الكبير من قبل المؤسسات المتخصصة ومراكز الدراسات والاقتصاديين والمفكرين، حيث إنهم ينظرون الى الاستدامة كركن أساسي بجانب الشراكات الاستراتيجية.
تجلب التنمية المستدامة فلسفة التوازن الى طاولة الشراكات بين القطاع الحكومي والخاص على المستوى المحلي لتجسيد احتياجات الأجيال الحالية و تلبية احتياجات الأجيال المستقبلية بفرص متساوية. وتشجع هذه الشراكات على تعزيز الاستثمارات الفعّالة ودعم المشاريع الرقمية وتشجيع الابتكار وتطوير إمكانيات السوق الرقمي في العراق.
*التحديات التي تواجه الاقتصاد الرقمي في العراق*
تؤثر العقبات الإدارية على النمو الاقتصادي الرقمي بشكل كبير لا يمكن تجاهله، حيث أن الفساد والبيروقراطية بجانب نقص الشفافية المالية والإدارية من أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد الرقمي، وبحسب تصريحات مستشار الحكومة للشؤون المالية الدكتور مظهر محمد صالح "لا يخفى على الجميع أن البرنامج الحكومي للعراق أكد على أهمية الحوكمة الإلكترونية وعدها جزءاً لا يتجزأ من سياسة الإصلاح الاقتصادي وعلى نحو الشفافية المالية والإدارية، وأن الطفرة الكبيرة في أنظمة المدفوعات الإلكترونية التي يشهدها العراق والتحول الاقتصادي قائمة على النقد ومخاطره".
وأشار المستشار المالي الاقدم للحكومة الى ان "سياسات الرؤية التي أطلقتها الحكومة في تطبيق الحوكمة الإلكترونية، عدت لأجل سرعة التحصيل العام ولحماية المال العام والحد من مظاهر الفساد، لأنها واحدة من أهم أنظمة التحول من النقد إلى المدفوعات الرقمية وبشكل متسارع". مؤكداً "أن التطور مهم للاندماج في الاقتصاد العالمي الذي يعد أساسياً للتنوع الرقمي وجزءاً مهماً، والذي يشجع على تدفق الاستثمار الخارجي إلى بلادنا والتنمية والابتكار والتجارة الإلكترونية والتطور الرقمي في العراق".
وفي ذات السياق، تعمل منظمات المجتمع المدني، طيلة الأعوام الأخيرة على تعزيز الاقتصاد الرقمي وتشجيع الابتكار ودعم رواد الاعمال الشباب من خلال برامج ومشاريع وحملات تثقيفية وتوعوية لبناء أساس رقمي رصين في المجتمع، وكمثال على ذلك تحرص مؤسسة مظلة لبناء السلام والتنمية المستدامة والعلاقات على المساهمة الفعالة في كل البرامج والأنشطة في مجال الاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال الرقمية.
ومما تقدم نتبين أن تحسين المناخ الاقتصادي الرقمي في العراق يحتاج الى سرعة تنفيذية لإنشاء بيئات رقمية للأعمال وتمكين التجارة الإلكترونية مسنودة بتشريعات قانونية وأمن رقمي للبيانات لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العراق.