في المشهد العراقي المتحرك، حيث تختلط الاستحقاقات الدستورية بحسابات السياسة وتقاطعات المكونات، تعود رئاسة مجلس النواب إلى واجهة النقاش، لا بوصفها مفتاحا لتشكيل الحكومة، بل كاستحقاق مكوني مستقل تحكمه توازنات داخلية لا يجوز تحميله أكثر مما يحتمل.
أوساط سياسية مطلعة، تؤكد أن معركة اختيار رئيس البرلمان، على أهميتها، لا تشكل مؤشرا حاسما على اتجاهات تشكيل الحكومة المقبلة، ولا تختزل مسار العملية السياسية برمّتها. فالتحدي الحقيقي، بحسب هذه الأوساط، يبدأ بعد استكمال الاستحقاقات الدستورية الأساسية، حين تدخل البلاد مرحلة أكثر حساسية تتصل برئاسة الجمهورية وتكليف رئيس الوزراء، وما يرافق ذلك من تفاهمات وضمانات.
وفي هذا السياق، ينصبّ التركيز حاليا على تمرير الجلسة الأولى للبرلمان الجديد بسلاسة، وتثبيت الإطار الدستوري دون زجّ الملفات ببعضها، أو فتح أبواب اشتباك سياسي مبكر قد يربك المشهد ويعقّد الحسابات. فخلط استحقاق رئاسة البرلمان بملف الحكومة، وفق القراءة السياسية السائدة، لا يخدم الاستقرار ولا يسرّع الحلول، بل يوسّع دائرة الخلاف.
المرحلة المقبلة، كما ترى هذه الأوساط، تتطلب قدرا عاليا من الهدوء السياسي، وتوافقا محسوبا يراعي حساسية التوقيت ودقة المرحلة، بعيدا عن منطق التصعيد أو الاستعجال في حسم الملفات قبل نضوج ظروفها. فالحكومة، على عكس ما يُشاع، ستنضج تفاهماتها في الوقت الدستوري المناسب، بعد أن تستكمل بقية الحلقات، وتُختبر موازين القوى بهدوء.
هكذا يبدو المشهد: رئاسة البرلمان استحقاق مكوني لا أكثر، أما ملف الحكومة، فسيبقى مؤجلا إلى حين، بانتظار لحظة النضج السياسي، حيث تتقدم التسويات على الضجيج، ويُترك للدستور أن يقود الإيقاع، لا للانفعالات العابرة.