كتب : المحرر السياسي
تشهد الساحة السياسية العراقية سباقاً محتدماً بين الكتل الفائزة لحسم المناصب السيادية، في ظل مفاوضات معقدة تحاول الأطراف من خلالها فرض رؤيتها وتثبيت حضورها ضمن الخارطة الجديدة للسلطة. وتدور هذه المفاوضات حول معادلة شائكة تجمع بين الاستحقاق الانتخابي، ومتطلبات التوازن بين المكونات، وشروط التوافق السياسي الذي بات القاعدة الحاكمة لتشكيل الحكومات.
وتشير المعطيات إلى أن منصب رئيس مجلس الوزراء يمثل محور التنافس الأكبر، إذ تسعى القوى المؤثرة إلى اختيار شخصية قادرة على إدارة المرحلة المقبلة وتحظى بقبول واسع داخل المشهد السياسي. وفي المقابل، تربط بعض القوى دعمها للمرشح الحكومي بالحصول على مواقع سيادية إضافية ضمن الوزارات والهيئات المستقلة والدرجات الخاصة.
وفي المكون السني، ما يزال منصب رئيس مجلس النواب يثير جدلاً واسعاً، مع تعدد الأسماء المتنافسة وتباين توجهات الكتل. ويستغل بعض القادة هذا التباين لربط المنصب بتسويات تتعلق بالتمثيل في الحكومة المقبلة وضمانات في ملفات إدارية واقتصادية داخل المحافظات المحرومة.
أما على مستوى رئاسة الجمهورية، فيستمر التنافس الكردي التقليدي بين الحزبين الرئيسيين، حيث يسعى كل منهما لتوظيف المنصب كورقة ضغط في الملفات المتعلقة بالنفط والموازنة والصلاحيات المشتركة مع بغداد. ويُنظر للمنصب أيضاً كجزء من معادلة التوازن الوطني، ما يجعل حسمه مرتبطاً بمسار المفاوضات الأوسع حول الحكومة والبرلمان.
ويرى مراقبون أن العملية السياسية باتت محكومة بثلاثية أساسية: الاستحقاق الذي تعكسه نتائج الانتخابات، والتوازن الذي يحفظ مبدأ الشراكة بين المكونات، والتوافق الذي يمنع الانسداد السياسي. وتؤكد هذه القراءة أن أي حكومة جديدة لن تتشكل دون مراعاة هذه العناصر بشكل متكامل، خصوصاً في ظل بيئة سياسية متقلبة وصراع متصاعد على النفوذ.
وتشير التوقعات إلى أن الحسم قد يأتي عبر أحد احتمالين؛ إما أن يجري التوافق على المناصب تباعاً بدءاً برئاسة البرلمان ثم الجمهورية وصولاً إلى تسمية رئيس الوزراء، أو أن يتم اتفاق شامل يُوزع خلاله النفوذ والمناصب السيادية ضمن صفقة سياسية واحدة تضمن تشكيل كتلة داعمة للحكومة المقبلة.
وبين حدة الصراع وتشابك المصالح، يبقى المشهد مفتوحاً على جميع السيناريوهات، فيما تترقب الأوساط السياسية ولادة تفاهمات جديدة قد تعيد رسم ملامح الدولة وتحدد اتجاه الحكم في السنوات المقبلة.