كتب : المحرر السياسي
تعود الخلافات بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان إلى الواجهة مع كل دورة سياسية جديدة، إذ ما تزال ملفات النفط والغاز، والموازنة، والرواتب، والمنافذ الحدودية، وإدارة المناطق المتنازع عليها، تشكل أبرز نقاط التوتر بين الجانبين رغم محاولات التهدئة المتكررة.
ورغم الاتفاقات المرحلية التي تُبرم بين الحين والآخر، إلا أن معظم الحلول تبقى مؤقتة ولا تُترجم إلى آليات تنفيذية طويلة الأمد، ما يجعل أي تغيير سياسي أو اقتصادي كفيلًا بإعادة تأجيج الخلافات. فملف تصدير النفط عبر الإقليم ما يزال أحد أهم بؤر الجدل، مع إصرار بغداد على خضوعه للقانون الاتحادي، في حين ترى أربيل أنه جزء من صلاحياتها الدستورية. هذا الخلاف أدى في السنوات الأخيرة إلى توقّف التصدير، وحرمان الإقليم من مورد أساسي كان يعتمد عليه في تغطية نفقاته ورواتب موظفيه.
وفي ملف الرواتب، يستمر الجدل حول آليات التدقيق، وحجم الموظفين، والتزامات الطرفين، إذ يطالب الإقليم بضمانات لمعالجة مشكلة الرواتب بشكل شهري ثابت، بينما تشدد بغداد على ضرورة اعتماد بيانات مالية دقيقة وتطبيق القوانين الاتحادية على جميع مؤسسات الإقليم.
أما المناطق المتنازع عليها، وفي مقدمتها كركوك وسنجار ومخمور ومناطق من سهل نينوى وديالى، فما تزال تمثل العقدة الأعمق في العلاقة بين الجانبين. فغياب الاتفاق بشأن إدارة الأمن والخدمات والعائدات الاقتصادية في هذه المناطق يجعل أي تطور سياسي أو أمني قابلاً للانفجار في أي لحظة، ويزيد من حساسية الملف في ظل تنافس القوى المحلية والإقليمية عليه.
ومع دخول العراق مرحلة سياسية جديدة بعد الانتخابات، تتزايد الضغوط لإيجاد صيغة واضحة وثابتة تنظّم العلاقة بين بغداد وأربيل بما يحفظ حقوق الطرفين، ويمنع تكرار الأزمات المالية والإدارية التي تعيشها مؤسسات الإقليم والاتحاد على حد سواء.
ورغم وجود مؤشرات إيجابية في بعض الملفات، إلا أن الطريق نحو اتفاق شامل ما يزال طويلاً، ويحتاج إلى إرادة سياسية متوازنة من الطرفين، وقدرة على تحويل التفاهمات من وعود سياسية إلى التزامات عملية قائمة على الدستور والشفافية والشراكة الحقيقية.