كتب : المحرر السياسي
يشكّل استخدام المال السياسي في الانتخابات العراقية واحداً من أبرز التحديات التي تواجه المسار الديمقراطي في البلاد، إذ أصبح تأثير المال أداة خفية لكنها فعّالة في توجيه النتائج، والتأثير في إرادة الناخبين، وتكريس نفوذ القوى التقليدية على حساب المنافسة النزيهة.
تتعدد مظاهر المال السياسي في المشهد الانتخابي العراقي، بدءاً من تمويل الحملات الدعائية الضخمة التي تتجاوز السقوف القانونية المحددة، مروراً بتوزيع المساعدات والهبات العينية والمالية خلال موسم الانتخابات، وصولاً إلى شراء الولاءات السياسية والتأثير على الأصوات في المناطق الفقيرة أو ذات الكثافة السكانية العالية. وغالباً ما تُستخدم هذه الوسائل تحت غطاء “العمل الخيري” أو “الدعم الاجتماعي”، بينما يكون الهدف الحقيقي منها تحقيق مكاسب انتخابية مباشرة.
ويُعدّ غياب الرقابة الفاعلة على الإنفاق الانتخابي وضعف تطبيق القوانين المتعلقة بتمويل الحملات من أبرز الأسباب التي سمحت بانتشار هذه الظاهرة. فرغم وجود تشريعات تحظر تلقي التمويل من جهات مجهولة أو خارجية، وتلزم المرشحين بالكشف عن مصادر تمويلهم، إلا أن التطبيق العملي لهذه القوانين ما يزال محدوداً، في ظل بيئة سياسية معقدة تتداخل فيها المصالح الحزبية مع السلطة التنفيذية.
كما يسهم الفراغ الاقتصادي والبطالة الواسعة بين الشباب في جعل بعض الناخبين عرضة لتأثير المال السياسي، حيث تُستغل الظروف المعيشية الصعبة من قبل بعض المرشحين أو الكتل السياسية التي تقدم وعوداً أو مساعدات آنية مقابل الدعم في صناديق الاقتراع. وتُعدّ هذه الممارسات خرقاً صريحاً لمبدأ المساواة بين المرشحين، وتؤثر سلباً على وعي الناخب واستقلالية قراره.
ويحذر خبراء في الشأن الانتخابي من أن استمرار استخدام المال السياسي بهذا الشكل سيؤدي إلى إفراغ العملية الديمقراطية من مضمونها الحقيقي، إذ يتحول التنافس الانتخابي من ساحة للأفكار والبرامج إلى سباق للنفوذ المالي والسياسي. كما أن تغلغل المال في العملية الانتخابية يُعيد إنتاج الطبقة السياسية ذاتها التي يرفضها الشارع العراقي منذ احتجاجات عام 2019، ويمنع ظهور قوى جديدة تمثل التغيير والإصلاح الحقيقي.
ويرى مراقبون أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب إرادة سياسية حقيقية لتفعيل الرقابة والمساءلة، إلى جانب دور إعلامي ومجتمعي فاعل في فضح الممارسات غير القانونية التي ترافق الحملات الانتخابية. كما يُنتظر من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن تطوّر آلياتها في رصد الإنفاق ومحاسبة المخالفين، بما يضمن عدالة التنافس وشفافية النتائج