كتب : المحرر السياسي
تواجه العراق واحدة من أكثر الأزمات الاقتصادية حساسية والمتمثلة في تفاقم الديون الداخلية، التي تشكل عبئاً كبيراً على الموازنة العامة وتؤثر على قدرة الدولة في تنفيذ مشاريع التنمية والإعمار. وتعود جذور هذه الأزمة إلى سنوات من العجز المالي والإنفاق التشغيلي المرتفع مقابل ضعف في تنويع مصادر الإيرادات.
وتشير التقديرات إلى أن الدين الداخلي يمثل النسبة الأكبر من إجمالي المديونية العامة للعراق، إذ تراكم نتيجة للاقتراض من البنك المركزي والمصارف الحكومية لتغطية نفقات الرواتب والدعم والخدمات الأساسية. هذا النمط من الاقتراض أدى إلى تضييق السيولة النقدية وتراجع فرص تمويل القطاعات الإنتاجية، ما جعل الاقتصاد أكثر هشاشة أمام أي تقلبات مالية أو انخفاض في أسعار النفط.
ويرى مختصون أن معالجة هذه الأزمة تتطلب إصلاحاً مالياً وهيكلياً شاملاً يبدأ من إعادة النظر في طبيعة الإنفاق الحكومي، مع ضرورة تقليل النفقات التشغيلية غير الضرورية، وتوجيه الموارد نحو مشاريع إنتاجية تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد. كما يعد تنويع الإيرادات غير النفطية من أهم الحلول الواقعية، عبر تطوير النظام الضريبي وتحسين الجباية وتفعيل القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية.
كما يُقترح أن تعمل الحكومة على إعادة جدولة الديون الداخلية بالتعاون مع المصارف والدائنين المحليين، وإصدار أدوات مالية جديدة ذات فوائد منخفضة وآجال أطول لتخفيف الضغط عن الخزينة العامة. ويؤكد الخبراء ضرورة أن تترافق هذه الخطوات مع تعزيز الشفافية والرقابة في إدارة الدين العام، وإعلان بيانات دورية توضح حجم الديون وآلية سدادها.
ومن بين الحلول الممكنة أيضاً الحد من التمويل بالعجز النقدي والابتعاد عن طباعة العملة كوسيلة لتغطية النفقات، لما لذلك من آثار تضخمية خطيرة تضعف القوة الشرائية للمواطن وتؤثر سلباً على الاستقرار الاقتصادي. كذلك، فإن تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي يمثل خطوة مهمة في تقليل الاعتماد على القروض الحكومية وتوفير مصادر تمويل حقيقية للمشاريع التنموية.
وفي النهاية، تبقى أزمة الديون الداخلية اختباراً جدياً لقدرة الدولة العراقية على إدارة مواردها بكفاءة، وسط دعوات متزايدة لاعتماد سياسات اقتصادية واقعية تُعيد الثقة بالمؤسسات المالية وتضمن تحقيق العدالة في توزيع الموارد بين الأجيال.