كأنها ساعة الصفر قد دقّت، ومعها ارتفعت حرارة السباق الانتخابي في العراق. من اليوم وحتى موعد الحسم، ستتحوّل الساحات إلى منابر، والشوارع إلى لوحات، والإعلام إلى ميدان يتسابق فيه المرشحون لعرض البرامج وتثبيت الحضور. مشهد ليس جديداً على العراقيين، لكنه هذه المرّة يكتسب طابعا مختلفا، لأن المزاج الشعبي تغيّر، والوعي السياسي بات أكثر صرامة في فرز الشعارات عن الحقائق.
في خضمّ هذا السباق، تبدو المعركة الكبرى ليست بين الأسماء وحدها، بل بين المسارات. بين خطابٍ يعيد إنتاج الانقسام، وآخر يحاول ترميم الثقة المتهالكة بين المواطن والدولة. هنا بالذات، تبرز التحالفات الوسطية والمعتدلة كلاعب أساسي في هذه الدورة، إذ تطرح نفسها جسرا بين الأطراف، ورهانا على بناء توازن جديد يضع الاستقرار فوق الحسابات الضيقة.
من يراقب حركة الميدان يلحظ أنّ تحالفات كـ”ابشر يا عراق” و”إشراقة كانون” وغيرها، تمثل التعبير الأوضح عن هذا التوجّه. فهي لا تسعى فقط إلى المقاعد، بل إلى إعادة رسم المعادلة على أساس وطني، بعيدا عن لغة الكسر والغلبة. ولعلّ رجاحة الكفة تميل شيئا فشيئاً صوب هذا التيار الوسطي، لأن الشارع سئم التجاذبات الحادّة، ويميل إلى كل خطاب يَعِدُه بالاستقرار، والتنمية، وشراكة الدولة مع مواطنيها لا ضدهم.
إنها لحظة مفصلية، قد تحدّد إن كان العراق مقبلا على دورة سياسية تعيد إنتاج الانقسام، أو على صفحة جديدة تُخطّ بيد المعتدلين. وبين الشعارات والصور والوعود، تبقى عيون الناس شاخصة إلى من يترجم الكلمة إلى فعل، والفعل إلى مشروع دولة يليق بتاريخ هذا الوطن ومستقبله.