يعد ملف الرواتب في العراق واحداً من أكثر الملفات حساسية وتأثيراً على حياة المواطنين، إذ يمثل مصدر الدخل الأساسي لملايين العوائل. وتشكل الرواتب نسبة كبيرة من الموازنة العامة للدولة، ما يجعلها محوراً دائماً للنقاشات السياسية والاقتصادية.
تعتمد الحكومة العراقية على الإيرادات النفطية بشكل شبه كامل لتأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين، الأمر الذي يضع الملف تحت رحمة تقلبات أسعار النفط والأزمات العالمية. وفي فترات انخفاض أسعار النفط، تواجه الدولة تحديات كبيرة في الإيفاء بالالتزامات الشهرية، ما يثير قلق الشارع من احتمالية التأخير أو تقليص المبالغ المخصصة.
إلى جانب ذلك، يواجه ملف الرواتب انتقادات واسعة بسبب التضخم الكبير في أعداد الموظفين ووجود حالات من الترهل الإداري والازدواج الوظيفي، فضلاً عن وجود آلاف "الفضائيين" الذين يتقاضون رواتب دون أداء فعلي. هذه الظواهر تضع ضغطاً إضافياً على الموازنة وتحد من قدرة الدولة على الاستثمار في قطاعات خدمية وتنموية.
الحكومة أعلنت في أكثر من مناسبة عزمها على إصلاح هذا الملف عبر سياسات جديدة مثل اعتماد قاعدة بيانات موحدة للموظفين والمتقاعدين، وتشجيع التحول نحو القطاع الخاص لتخفيف العبء على الدولة. إلا أن هذه الخطط ما زالت تواجه صعوبات بسبب غياب الرؤية الاستراتيجية الواضحة وضعف تطبيق القوانين.
في المحصلة، يبقى ملف الرواتب في العراق قضية معقدة تتداخل فيها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويحتاج إلى حلول جذرية تعالج الفساد والازدواجية، وتؤسس لنظام عادل ومستدام يضمن حقوق الموظفين ويحقق التوازن المالي للدولة.