كتب : المحرر السياسي
الموازنة العامة في العراق تمثل أحد أهم الملفات الاقتصادية والسياسية التي تنعكس بشكل مباشر على حياة المواطن، فهي ليست مجرد أرقام في جداول حكومية وإنما تعكس توجهات الدولة في توزيع الثروة النفطية وتمويل المشاريع وتقديم الخدمات. يعتمد العراق بشكل شبه كامل على عائدات النفط، وهذا الاعتماد يجعله عرضة للتقلبات العالمية في أسعار الطاقة، وعند حدوث هبوط في الأسعار أو تأخر في إقرار الموازنة تتأثر كل تفاصيل الحياة اليومية للمواطن.
الخلافات السياسية غالباً ما تجعل الموازنة ساحة للصراع بين الكتل والأحزاب، حيث ترتبط بها ملفات حساسة مثل حصص الإقليم والمحافظات ورواتب الموظفين ومشاريع البنى التحتية. هذه الخلافات تؤدي إلى تأخير المصادقة على الموازنة، ما يخلق حالة من القلق والانتظار لدى الشارع ويؤدي إلى تعطيل آلاف المشاريع الخدمية والتنموية.
المواطن هو المتضرر الأكبر من هذه الأوضاع، إذ إن أي خلل في إدارة الموازنة أو تأخر في إقرارها يعني تأخر الرواتب وتوقف التعيينات الحكومية وتراجع فرص العمل. كما يؤدي ضعف الإنفاق على القطاعات الأساسية إلى تدهور الخدمات الصحية والتعليمية وتراجع تجهيز الكهرباء والماء، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب التضخم أو ضعف قدرة الدولة على ضبط الأسواق.
الآثار لا تقف عند الجانب الاقتصادي فقط، بل تمتد إلى الاجتماعي أيضاً، حيث إن توقف المشاريع وانعدام الفرص يولد ضغطاً كبيراً على الشباب ويدفع بعضهم للهجرة الداخلية أو حتى الخارجية بحثاً عن حياة أفضل، كما يضعف الثقة بين المواطن والدولة ويزيد من حالة الإحباط العام.
معالجة هذه الإشكالية تتطلب إرادة سياسية حقيقية تتجاوز الحسابات الحزبية الضيقة، عبر وضع خطط اقتصادية طويلة الأمد تسعى إلى تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط فقط. كما يتطلب الأمر توجيه الإنفاق نحو القطاعات الأساسية والحد من الهدر والفساد، بما يضمن وصول الأموال إلى المواطن بشكل عادل وفعّال.
في النهاية، تبقى الموازنة العراقية مرآة لطبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وكلما كانت واقعية وشفافة ومبنية على رؤية اقتصادية واضحة انعكس ذلك بشكل مباشر على استقرار حياة المواطن، أما عندما تتحول إلى ورقة تفاوض سياسي فإنها تصبح عبئاً يضاعف من معاناة الناس بدل أن تكون وسيلة لتوفير حياة كريمة.