يمثل قانون الحشد الشعبي رقم (40) لسنة 2016 محطة مفصلية في مسار الدولة العراقية، إذ جاء ليضفي الشرعية الكاملة على هيئة الحشد بعد الدور الكبير الذي اضطلعت به في مواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي عقب فتوى المرجعية الدينية العليا بالجهاد الكفائي في عام 2014. فقد نص القانون على أن هيئة الحشد الشعبي هي جزء لا يتجزأ من القوات المسلحة العراقية، وترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة مباشرة، ما منحها صفة رسمية وقانونية وقطع الجدل بشأن مشروعيتها.
هذا القانون أسس لهيكل تنظيمي وإداري يضمن حقوق المقاتلين من رواتب وتخصيصات مالية أسوة ببقية تشكيلات المؤسسة العسكرية، كما نص على تسوية أوضاعهم الإدارية والوظيفية، ومنح عوائل الشهداء والجرحى امتيازات مماثلة لما هو معمول به في القوات الأمنية الأخرى. وبهذا المعنى شكّل القانون إطارًا ضامنًا لحقوق عشرات الآلاف من المتطوعين الذين لبّوا نداء الوطن.
على المستوى السياسي والأمني، عكس القانون إرادة الدولة في احتواء هذه القوة ضمن منظومة الشرعية الوطنية، وتجاوز حالة العشوائية التي رافقت بدايات التشكيل. كما عزز من تماسك المؤسسة الأمنية في مواجهة التحديات، خصوصًا أن الحشد أصبح ركنًا أساسياً في معادلة الأمن العراقي، يمتلك خبرة قتالية واسعة ويشارك في مسك الأرض، فضلاً عن أدواره الإنسانية في مساعدة النازحين وإعادة الاستقرار إلى المناطق المحررة.
ورغم ما مثله القانون من إنجاز مهم، ما زال يثير نقاشات داخلية وخارجية تتعلق بمستقبل الحشد الشعبي وطبيعة دوره في مرحلة ما بعد "داعش"، حيث يذهب البعض إلى ضرورة دمجه كليًا ضمن المؤسسة العسكرية التقليدية، بينما يرى آخرون أن خصوصية التجربة وفاعليتها تستدعي الحفاظ على كيانه المستقل تحت مظلة الدولة.
في المحصلة، يبقى قانون الحشد الشعبي وثيقة قانونية وسياسية مهمة كرّست تضحيات هذه التشكيلات وحفظت حقوق منتسبيها، ورسخت في الوقت ذاته مبدأ سيادة الدولة من خلال إخضاع الحشد لسلطة القائد العام، ليكون رافدًا داعمًا للأمن الوطني وحارسًا لتجربة العراق الديمقراطية الناشئة.