الدعاية الإنتخابية تحاصر العراقيين قبل الموعد الرسمي!
كتب: المحرر السياسي
في بلدٍ يتنفّس السياسة من شقوق الأرصفة، ويستيقظ على وجوه المرشحين قبل أن يغسل وجهه، يطلّ علينا موسما انتخابيا مزدحما قبل أوانه… بأكثر من شهر! وكأنّ الوقت لا ينتظر، وكأنّ أموال الدولة ومواردها لا بدّ أن تتبخّر سريعا على ملصقاتٍ تلمع تحت شمس الظهيرة وتتلألأ على أسطح البنايات والجسور، في استعراضٍ لا يخلو من فجاجة.
مواطنون كثر رفعوا أصواتهم ساخرين: أهذه حملة انتخابية أم احتلال بصري كامل؟ الشوارع تحوّلت إلى معارض صور، والطرقات إلى صالات عرض مفتوحة على مدار الساعة. لا يترك لنا المسؤولون فرصة أن ننسى وجوههم، حتى كأننا نراهم أكثر مما نرى أنفسنا.
والسؤال الذي يطرحه الناس بمرارة ممزوجة بالتهكّم: من أين تأتي هذه الجيوش من اللوحات والاعلانات؟ ومن يمولها؟ أليست هي من جيوبنا نحن المواطنين؟ أليست هذه نفس الميزانيات التي يُقال لنا دائما إنها لا تكفي لتحسين الخدمات ولا لتعبيد الطرق؟
المشهد صار مثيرا للضحك والبكاء معا: دولة عاجزة عن ضبط أسعار السوق، عن جمع النفايات، عن توفير الكهرباء، لكنها لا تعجز أبدا عن نصب آلاف الصور في كل زاوية. انتخابات لم تبدأ بعد، لكن الدعاية الانتخابية بلغت ذروتها وكأننا عشية يوم الاقتراع.
إنها مفارقة لا تشبه إلا العراق: مواطن يبحث عن استقرار حقيقي، عن تخطيط، عن إدارة رشيدة، بينما يجد نفسه محاصرا بصور المرشحين على كل جدار… يراهم في نومه ويصحو على وجوههم، حتى لتكاد تصير الكوابيس لا تفارقه بالليل والنهار.
هي مفارقة تُضحك وتبكي، لكنها تكشف حقيقة واحدة: أن السياسة عند بعض المسؤولين ما زالت استعراضا بصريا مشوها لا مشروعا لإصلاحٍ حقيقي، وأن المواطن – رغم الضجيج – ما زال ينتظر من يضع مصلحة البلد قبل مصلحته الانتخابية.