تُعد سفرة مواكب الخدمة الحسينية واحدة من أبهى صور العطاء والإيثار التي يشهدها العالم خلال أيام محرم وصفر، إذ تتحول الطرق المؤدية إلى كربلاء المقدسة إلى سلاسل متصلة من الموائد العامرة التي يقيمها أصحاب المواكب والهيئات الحسينية، لتكون مفتوحة أمام كل زائر دون تمييز أو مقابل.
هذه السفرة ليست مجرد طعام وشراب، بل هي رسالة حب ووفاء للإمام الحسين عليه السلام، وتجسيد عملي لقيم التضحية والتكافل التي حملها ثورته الخالدة حيث يشارك في إعداد هذه الموائد رجال ونساء وأطفال، كلٌّ منهم يسعى لنيل شرف الخدمة، فيغسلون الأرزاق بأيديهم، ويطبخونها في قدور كبيرة، ثم يقدمونها بابتسامة صادقة تعبّر عن فرحتهم بضيافة عشاق الحسين.
وتتنوع الأطعمة المقدمة بين المأكولات الشعبية والأطباق الحديثة، وتجد على السفرة كل ما يلبي ذوق الزائر، من الأرز والمرق والخبز الطازج، إلى الفواكه والحلويات والمشروبات الباردة والساخنة، في مشهد يختلط فيه عبق المطبخ العراقي الأصيل بروح الكرم الحسيني العابر للحدود.
ولا تقتصر السفرة الحسينية على إشباع جوع الأبدان، بل تمتد لتغذي الأرواح بروح الإخاء والوحدة، إذ يجلس الزائر بجوار آخر ربما جاء من بلد مختلف أو لغة أخرى، لكن القلوب تتوحد على مائدة واحدة تحت راية الحسين.
هذا المشهد المتكرر كل عام يشكل لوحة إنسانية نادرة، يعجز عنها أي مشروع خيري عالمي، لأن ما يحركها ليس المال ولا الشهرة، بل الحب الصادق للإمام وأهل بيته.
ومع مرور الأيام تظل سفرة مواكب الخدمة الحسينية علامة فارقة في مسيرة الزيارة الأربعينية، وشاهدًا حيًّا على أن مدرسة الحسين ما زالت تُخرّج أجيالًا تعرف معنى التضحية في سبيل المبادئ، وتؤمن أن العطاء في حب الحسين لا يعرف حدودًا ولا نهاية.