تقرير: رسل صادق رحيم
في ظل الأزمات المتكررة التي تعصف بالمشهد العراقي، تبرز ظاهرة مقلقة تتمثل في لجوء الحكومة إلى أساليب التشهير بخصومها كأداة لصرف انتباه الرأي العام عن الإخفاقات الجوهرية، وسط جمهور ينجرف بسرعة وراء القصص المثيرة متجاهلاً القضايا الأساسية التي تمس حياته اليومية وأمنه.
ومن أبرز الأمثلة على تلك الإخفاقات، "مجزرة هايبر ماركت الكوت" التي أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا وسط صمت رسمي، تلتها قضية "خور عبد الله"، التي اعتبرها البعض بمثابة "تنازل سيادي" للكويت وفي كلتا الحالتين، لم تواجه الحكومة هذه القضايا بشفافية أو معالجة جدية، بل سرعان ما تحولت الأنظار نحو حملات تشهير وتسقيط لخصوم سياسيين وإعلاميين.
تستخدم السلطة، بحسب مراقبين، أسلوباً متكرراً يتمثل في تضخيم بعض القضايا الشخصية أو نشر فضائح مفبركة أو منقوصة تستهدف شخصيات معارضة أو لا تتماشى مع توجهاتها الهدف من ذلك، كما يبدو، هو تفريغ الغضب الشعبي في اتجاهات ثانوية تُنسي الناس الأسئلة الكبرى المتعلقة بالفساد، والدماء التي سالت، والتفريط بالسيادة.
في خضم هذا الضجيج، برزت دعوات للتفريق بين "الحشد كمؤسسة وطنية" وبين بعض الأفراد المنتمين إليه والذين تصدر منهم تصرفات لا تمثل روحية المؤسسة أو أهدافها الخلط بين الاثنين بات أداة إضافية للتضليل، إذ يُحمَّل الحشد ككل مسؤولية أخطاء فردية، ما يُستخدم في الخطابات الإعلامية لأغراض سياسية.
اللافت أن هذه الحملات لا تحقق أهدافها إلا بوجود بيئة شعبية قابلة للتأثر، وغالباً ما تُظهر هذه البيئة تناقضاً أخلاقياً واضحاً فالقضية التي أثارت الجدل مؤخراً، المتمثلة في صور "زينب جواد"، كشفت عن ازدواجية فاضحة فبينما اتُهمت فاطمة قيدار في شرفها فقط لأنها مطلقة، قوبلت صور زينب بالدفاع والتمجيد من نفس الجهات هذا التناقض في الأحكام يعكس انحيازاً عاطفياً وأيديولوجياً لا يرتكز على معايير أخلاقية ثابتة.
ولابد بالإشارة إلى أن دعم الشخصيات العامة أو القضايا في العراق كثيراً ما لا يُبنى على أسس من القناعة أو المبادئ، بل على مدى تقاطع تلك الشخصيات مع مزاج الجمهور ومعتقداته الفكرية والدينية وهنا تتبدى أزمة الوعي بشكلها الأخطر، حين يتحول الجمهور إلى أداة ترويج ضمن لعبة سياسية كبرى، بدلاً من أن يكون قوة رقابة وتغيير.
إن تشتيت الانتباه عن الإخفاقات الحكومية عبر افتعال معارك جانبية، بالتوازي مع ازدواجية معايير الشارع العراقي، يُبقي الأزمات الحقيقية دون محاسبة ويمنح الفاسدين مزيداً من الوقت والمساحة للاستمرار ما يحتاجه العراق اليوم هو وعي جمعي لا يُخدَع بسهولة، ونقاش عام يضع الأساسيات قبل الفضائح، والسيادة قبل الشائعات.