تشهد الساحة السياسية في العراق حالة مستمرة من النزاعات والانقسامات بين مختلف القوى والأحزاب التي تتصارع على النفوذ والمصالح منذ سقوط النظام السابق في عام 2003 فقد أدت طبيعة النظام القائم على المحاصصة الطائفية والقومية إلى خلق بيئة سياسية هشة يغلب عليها منطق التوافق بدلًا من التنافس البرامجي الفعلي وهو ما تسبب في شلل مؤسسات الدولة وتأخير العديد من الاستحقاقات الدستورية
تتجلى هذه النزاعات في الخلافات المتكررة حول تشكيل الحكومات وتقاسم الوزارات والمناصب العليا وكذلك في الصراعات داخل مجلس النواب حول تشريع القوانين أو تمرير القوانين الخلافية كما تظهر في الانقسامات العميقة بين القوى الشيعية والسنية والكردية وكذلك داخل المكون الواحد حيث لم تعد هناك جهة سياسية قادرة على فرض رؤيتها أو تمثيل مكونها بشكل تام
أدت هذه النزاعات إلى ضعف الأداء الحكومي وتراجع ثقة المواطن بالمؤسسات السياسية فضلاً عن تأجيج التوترات المجتمعية وتعطيل جهود الإصلاح ومحاربة الفساد وقد أسهمت التدخلات الإقليمية والدولية بدورها في تعقيد المشهد السياسي العراقي من خلال دعم بعض الأطراف على حساب أخرى ما أدى إلى تعميق حالة الاستقطاب والارتهان للخارج
الشعب العراقي بات اليوم أكثر إدراكاً لطبيعة هذه الصراعات التي تضر بمصالحه اليومية وتعيق تطور الدولة وقد تجلت هذه القناعة في حركات الاحتجاج الشعبي المتكررة التي رفعت شعارات وطنية طالبت بإنهاء نظام المحاصصة وإقامة دولة المواطنة والمؤسسات بدلاً من دولة الأحزاب والتكتلات
يبقى مستقبل الاستقرار السياسي في العراق مرهوناً بقدرة الطبقة السياسية على تجاوز منطق الغنيمة السياسية والانفتاح على إصلاحات حقيقية تضع مصلحة الوطن فوق الحسابات الضيقة وتمهد لتأسيس نظام ديمقراطي مستقر وفاعل يلبي طموحات العراقيين ويحفظ وحدة البلاد