تعيش المدن العراقية أزمة سكن عميقة تمثلت بانتشار العشوائيات بشكل واسع نتيجة لعوامل متراكمة على مدى عقود من الزمن فالحروب المتتالية وسنوات الحصار الاقتصادي وما تبعها من انهيارات في البنية التحتية وفشل السياسات الإسكانية كلها أدت إلى تفاقم هذه الأزمة ودفعت مئات الآلاف من العائلات إلى اللجوء لبناء مساكن عشوائية تفتقر لأبسط مقومات الحياة الكريمة
العشوائيات باتت تشكل واقعاً مزمناً في معظم المحافظات العراقية حيث تُقدّر أعدادها بعشرات الآلاف موزعة بين بغداد والبصرة ونينوى وديالى وغيرها وغالباً ما تكون هذه المناطق محرومة من الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والصرف الصحي إضافة إلى افتقارها للأمن والتنظيم الإداري مما يحوّلها إلى بيئة خصبة للفقر والبطالة والجريمة
الحكومات العراقية المتعاقبة حاولت إطلاق خطط لمعالجة ملف العشوائيات لكنها لم تحقق نتائج ملموسة بسبب غياب التخطيط الاستراتيجي وضعف التنسيق بين الوزارات وتضارب الصلاحيات بين الجهات المعنية إضافة إلى التحديات السياسية والاقتصادية التي تعيق أي تقدم في هذا المجال
في المقابل لا يمكن تجاهل أن العشوائيات وفرت مأوى لشرائح واسعة من ذوي الدخل المحدود والنازحين والمهجرين ما يجعل معالجتها تتطلب حلولاً إنسانية تراعي حق السكن وتحفظ كرامة الإنسان العراقي وذلك من خلال برامج إسكان ميسرة وشاملة تتكامل فيها جهود الدولة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني للوصول إلى نتائج فعلية على الأرض
أزمة السكن العشوائي في العراق لم تعد مجرد قضية عمرانية بل تحولت إلى معضلة اجتماعية وإنسانية تتطلب إرادة سياسية حقيقية ورؤية وطنية شاملة تنقذ ملايين العراقيين من واقع التهميش وتمنحهم حقهم الطبيعي في العيش الكريم