كتب: المحرر السياسي
في خضم الاستعدادات للانتخابات البرلمانية المقبلة، يبرز المال السياسي كأحد أبرز التحديات التي تواجه المشهد الانتخابي في العراق، حيث يشكل سلاحا ذا حدين. فبينما يتيح للأحزاب الوصول إلى الجماهير، يصبح في ذات الوقت مصدر قلق بشأن نزاهة الانتخابات وعدالتها. ورغم وجود قوانين تنظم التمويل السياسي، إلا أن ضعف تطبيقها على الأرض يفتح المجال أمام العديد من التجاوزات، ويجعل من المال السياسي عاملا مؤثرا في تحديد مصير الانتخابات.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، يتجدد الجدل حول كيفية تأثير المال السياسي على نتائج الانتخابات، إذ لا تقتصر التحديات على كيفية تمويل الحملات الانتخابية، بل تتعداها إلى من أين يأتي هذا المال. في عراق يعاني من أزمات مالية ومعيشية، يصبح المال السياسي أداة مهمة بيد الأحزاب التي تمتلك الإمكانات المالية الكبرى، والتي يمكنها من خلاله شراء التأييد الشعبي وتوجيه أصوات الناخبين لصالحها.
ورغم النصوص القانونية التي تحدد مصادر تمويل الأحزاب، فإن التطبيق الفعلي لهذه القوانين يبقى هزيلا، مما يتيح لبعض القوى السياسية استغلال المال السياسي في التأثير على إرادة الناخبين. ففي الانتخابات السابقة، كان المال السياسي أحد أبرز العوامل التي ساعدت بعض الأحزاب على توجيه دعاية انتخابية ضخمة، مستغلة موارد الدولة أو الدعم المالي غير المعلن.
وأمام هذا الواقع، تقع على عاتق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مسؤولية كبيرة في مراقبة الأموال التي تنفق على الحملات الانتخابية، وضمان عدم استغلال المال في التأثير غير المشروع على الانتخابات. وعلى الرغم من أن المفوضية أكدت التزامها بالقوانين، فإن ضعف الرقابة على مصادر تمويل الأحزاب يظل نقطة ضعف كبيرة. فالقوانين التي تحدد مصادر تمويل الحملات الانتخابية غالبا ما تبقى حبرا على ورق، ويظل الأمر محكوما بالمزاجات السياسية والتوازنات داخل البرلمان.
كما أن المفوضية نفسها تقتصر إجراءاتها على التأكد من التزام الأحزاب بالضوابط القانونية في ما يتعلق بتسجيل الكيانات السياسية، لكنها لا تتعمق في مصادر الأموال التي تنفقها هذه الكيانات على الحملات الانتخابية. وهذا يُسهل على بعض الأحزاب أن تجد طرقا للتحايل على القانون، مستفيدة من ضعف الرقابة في هذا المجال.
وتتطلب الحلول لمشكلة المال السياسي أولا تشديد الرقابة على مصادر التمويل، ليس فقط على مستوى الأحزاب، بل على مستوى الأفراد الذين يساهمون في حملاتها الانتخابية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتم تفعيل آليات لضبط الدعاية الانتخابية وضمان أن تكون في إطار القوانين التي تحظر الإنفاق المفرط والتأثير غير القانوني.
من المهم أيضا أن تتخذ المفوضية خطوات جادة لضمان تفعيل القوانين المتعلقة بمصادر تمويل الأحزاب، وأن تُفرض عقوبات صارمة على أي حزب يثبت أنه قد استغل المال السياسي بشكل غير قانوني. فالحفاظ على نزاهة الانتخابات يتطلب الحفاظ على المنافسة الشريفة بين الأحزاب، ويعني ذلك بالضرورة وجود رقابة صارمة على التمويل السياسي.
ويبقى المال السياسي أحد أبرز التحديات التي تواجه الانتخابات في العراق. ومع تزايد تأثيره في تحديد نتائج الانتخابات، يبقى على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات دور حاسم في مراقبة تطبيق القوانين التي تحدد مصادر التمويل. إن القدرة على ضمان عدالة المنافسة الانتخابية لا تتوقف فقط على قوانين التمويل، بل على التطبيق الفعال لها، بحيث يتمكن الناخب من التعبير عن إرادته بحرية دون تأثيرات مالية غير مشروعة.