حين تتداخل المصالح الإقليمية مع السيادة الوطنية، يصبح الخط الفاصل بين التعاون والاحتلال رفيعًا جدًا. الوجود العسكري التركي في العراق ليس جديدًا، لكنه اليوم يُطرح على الطاولة بحدة أكبر، خاصة بعد توقيع اتفاقيات أمنية تثير تساؤلات حول مدى قدرة بغداد على فرض شروطها، أو حتى المطالبة بإنهاء هذا التواجد.
احتلال بغطاء الاتفاقيات
تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، رسّخت أنقرة وجودها العسكري في شمال العراق لعقود، مستندةً إلى اتفاقيات قديمة وظروف أمنية استثنائية. واليوم، وبعد تراجع نشاط حزب العمال الكردستاني، تبرز تساؤلات جوهرية: لماذا تبقى القوات التركية؟ ولماذا تُبرَم اتفاقيات جديدة تُقيّد العراق أكثر مما تحرره؟
الواقع أن الاتفاقية الأمنية الأخيرة بين بغداد وأنقرة، التي يُفترض أنها تهدف إلى ضبط الحدود ومكافحة الإرهاب، قد تكون في حقيقتها إطارًا قانونيًا يُصعّب على العراق المطالبة بانسحاب القوات التركية لاحقًا، وفقاً لما يراه كثير من المحللين. هذا ما أكده النائب ياسر الحسيني، الذي أشار إلى أن الاتفاقية “تعزز بقاء القوات التركية وتجعل انسحابها بالكامل أمرًا صعبًا للغاية”.
موقف شعبي وسياسي رافض
ورغم التبريرات الرسمية، تزداد المطالبات الشعبية والسياسية بإنهاء الوجود التركي الذي يرى كثيرون أنه احتلال مستتر، خاصة مع استمرار العمليات العسكرية التركية داخل الأراضي العراقية. وإذا كان العراق يسعى بالفعل إلى استعادة قراره السيادي، فإن اختبار الإرادة الحقيقية يبدأ من هذا الملف الشائك، الذي لا يمكن حله إلا بموقف موحد وقوي، بعيدًا عن الضغوط والتنازلات السياسية.
في النهاية، لا يمكن تجاهل أن كل اتفاقية أمنية تضع التزامات مشتركة، لكنها في بعض الأحيان تحوّل الاحتلال إلى أمر واقع مغلف بإطار قانوني، يصعب التخلص منه لاحقًا. والسؤال الذي يبقى مطروحًا: هل سيكون العراق قادرًا على قلب المعادلة، أم أن الوجود التركي سيظل أمرًا مفروضًا عليه، بحكم اتفاقيات “ملغومة”؟