كتب: د . مصطفى محمدجواد عبد
يُعتبر قانون العفو العام من أكثر القوانين إثارةً للجدل في العراق، حيث يتراوح النقاش حوله بين الجوانب القانونية المرتبطة بمشروعيته وآثاره، وبين التحديات المرتبطة بتطبيقه على أرض الواقع. ورغم أن الهدف الأساسي من القانون هو تحقيق المصالحة الاجتماعية وتخفيف الأعباء عن النظام القضائي، إلا أن الجدل الذي يحيط به منذ إقراره يُظهر تعقيدات كبيرة تعكس الواقع السياسي والاجتماعي في البلاد.
الجانب القانوني لقانون العفو العام يثير إشكاليات متشعبة. فمن الناحية النظرية، يُفترض أن يوازن القانون بين ضمان تحقيق العدالة وضمان الحقوق الاجتماعية والإنسانية للمشمولين به. ومع ذلك، غالباً ما يُتهم القانون بأنه يحمل ثغرات تسمح بإفلات بعض المجرمين من العقاب، خصوصاً في قضايا الفساد والإرهاب.
من أبرز الإشكاليات القانونية هو غياب تعريف دقيق وشامل للفئات المشمولة بالعفو. هذا الغموض يفتح الباب لتفسيرات متباينة، حيث يمكن استغلاله لتبرئة أشخاص ارتكبوا جرائم جسيمة، وهو ما يثير اعتراضات واسعة بين الخبراء القانونيين والمجتمع المدني.
كما أن تطبيق القانون يؤدي أحياناً إلى تجاهل حقوق الضحايا، خصوصاً في الجرائم المرتبطة بالاعتداءات الشخصية أو الجرائم الجماعية. هذا الوضع يثير تساؤلات حول مدى التزام القانون بالمبادئ الأساسية للعدالة وتعويض المتضررين.
التوجه السياسي الذي يحيط بقانون العفو العام يمثل تحدياً كبيراً. ففي كثير من الأحيان، يتم تمرير القانون أو تعديله بناءً على اعتبارات سياسية بحتة، مما يثير الشكوك حول مصداقيته وأهدافه الحقيقية. بعض الأطراف السياسية تسعى لاستغلال القانون لإطلاق سراح حلفائها أو أعضاء جماعاتها، بغض النظر عن طبيعة الجرائم التي ارتكبوها.
هذا التسييس للقانون يؤدي إلى تعزيز الانقسامات الطائفية والإثنية في المجتمع، حيث يشعر بعض المكونات بأن القانون يُستخدم لاستهدافها أو تهميشها. بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب الشفافية في آليات تطبيق القانون يزيد من حدة التوتر الاجتماعي، خاصة عندما يشعر المواطنون بأن هناك انتقائية أو محاباة في تنفيذه.
من الناحية العملية، يواجه قانون العفو العام صعوبات كبيرة في التنفيذ. فالمؤسسات القضائية في العراق تُعاني من ضعف البنية التحتية ونقص الكوادر المدربة، مما يجعلها غير قادرة على مراجعة آلاف القضايا في وقت قصير.
إضافةً إلى ذلك، يتسم تنفيذ القانون بعدم الشفافية، حيث تبرز اتهامات بالتلاعب والمحسوبية في تحديد المستفيدين. هذا يؤدي إلى فقدان الثقة في النظام القضائي ويزيد من الشعور بالظلم لدى الضحايا وأسرهم.
على الصعيد الاجتماعي، فإن الأشخاص الذين يُطلق سراحهم بموجب العفو يواجهون صعوبات كبيرة في إعادة الاندماج بالمجتمع، خاصة إذا لم تُقدم لهم برامج تأهيلية مناسبة. وهذا الوضع يُسهم في زيادة خطر العودة إلى الجريمة، مما يُفاقم من مشكلات الأمن الداخلي.
ولتجاوز الإشكاليات المرتبطة بقانون العفو العام، يجب إجراء إصلاحات عميقة تهدف إلى تحسين صياغته وتطبيقه:-
أولاً، يجب وضع معايير واضحة ودقيقة للفئات المستفيدة من العفو، مع استثناء الجرائم الكبرى مثل الفساد المالي والإرهاب من نطاق القانون.
ثانياً، ينبغي تعزيز الشفافية والمحاسبة في عملية التنفيذ من خلال إشراك المجتمع المدني ومؤسسات الرقابة المستقلة. كما يجب توفير برامج تأهيلية شاملة للمستفيدين من العفو لضمان إعادة اندماجهم في المجتمع ومنع عودتهم إلى ارتكاب الجرائم.
في النهاية، يظل قانون العفو العام في العراق موضوعاً حساساً يتطلب توازناً دقيقاً بين الجوانب القانونية والاعتبارات الإنسانية. فبينما يحمل القانون إمكانيات كبيرة لتحقيق السلم الاجتماعي، فإن التحديات المرتبطة بتنفيذه تعكس الحاجة الملحة إلى إصلاحات شاملة تعزز العدالة وتحقق الاستقرار.